بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله و على آله و صحبه اجمعين
وبعد:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مِن الأخلاق المذمومة : تركُ الصلاة : لذلك أول خلق مذموم نعالجه في هذا الدرس ترك الصلاة ، قال تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم ] وقد لقينا ذلك الغي .
معنى تركِ الصلاة وإضاعتها :
المعنى الأول : تركُ الصلاة عمدًا : أيها الإخوة الكرام ، من تعاريف ترك الصلاة اصطلاحاً : أن يَدَع الإنسان إقامة الصلاة المفروضة عمداً ، أما ترك الصلاة فهو عدم إقامتها عمداً ، وأما إضاعتها فقد قال ابن مسعود : وليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ، ولكن أخرّوها عن أوقاتها .
﴿ [size=21]فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾
[ سورة مريم ] بالمناسبة ترك الصلاة عدم إقامتها عمداً ، أما إضاعة الصلاة فتأخيرها عن أوقاتها ، لذلك من أعظم الأعمال الصلاة على وقتها . قال إمام التابعين سعيد بن المسيب : هو ألا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ، وألا يصلي العصر حتى يأتي المغرب ، وألا يصلي المغرب حتى يأتي العشاء ، وألا يصلي العشاء حتى قبيل الفجر ، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس ، هذه إضاعة الصلاة .
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ﴾
[ سورة النساء : 103 ] وهناك نص ورد معي أنه من أخّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره . دخلت إلى البيت صلّ العشاء أولاً ، ثم ترتاح ، وتأكل بهناء ، وتجلس مع أولادك بهناء ، لو لم تصلّ لشعرتَ بقلق عميق ، دخلت الظهر إلى البيت ، ابدأ بالصلاة في الوقت ، إذاً إضاعة الصلاة تأخيرها حتى الوقت الذي يليها ، لذلك هناك ساعات قبل نصف ساعة من الوقت تعطيك تنبيها ، هذه تصلح للمؤمنين والمنافقين معاً ، المنافق يصلي بعد الإنذار ، يكون قد بقي نصف ساعة ، أما المؤمن فيستعد للصلاة قبل نصف ساعة ، وهذا بينهما فرق كبير ، من مات وهو مصرٌّ على هذه الحالة ، ولم يتب أوعده الله بغيٍّ ، قال تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم ] قال القرطبي : إضاعة الصلاة كفر وجحود بها ، وقيل : إضاعة أوقاتها وعدم القيام بحقوقها ، يصلي ويطلق بصره ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ﴾
[ سورة العنكبوت 45] يصلي ويكذب ، يصلي ويحلف يمينا كاذبة حتى يبيع السلعة ، يصلي ويحتال ، إذاً : هو لم يحقق نتائج الصلاة ، هذا أيضاً من إضاعتها ، فهناك تأخير وقتها ، وعدم تحقيق نتائجها .
المعنى الثاني : السهو عن الصلاة : أما السهو عن الصلاة فقد اختلف فيه على أقوال عديدة ، السهو من أين جاء ؟ قال تعالى :
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
[ سورة الماعون ] لو قال : في صلاتهم ساهون لهلك معظم المسلمين ، بل عن صلاتهم ساهون ، ما معنى السهو عن الصلاة ؟ السهو عن الصلاة تأخيرها عن وقتها ، قال أحد الصحابة : << أرأيت قول الله عز وجل :
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ أهي ترْكُها ؟ قال : لا ، ولكن تأخيرها عن وقتها >> . إذاً : السهو عن الصلاة يشبه إضاعة الصلاة . وقيل : السهو أن تترك فلا تصلى ، يصلي وقتا ، ويترك وقتا ، أيضاً هذا من السهو ، والله عز وجل قال :
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
[ سورة الماعون ] هؤلاء هم المنافقون ، فقد كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ففي بيته لا يصلي ، أما وهو جالس بدائرة ، واتجاهها إسلامي ، دائرة خاصة ، ورأس الدائرة صاحب دين ، وعنده رغبة ، الكل يصلون فيصلي معهم ، حتى ينتزع إعجاب صاحب الشركة ، وفي البيت لا يصلي . المعنى الثالث ، المعنى الأول تأخيرها عن وقتها السهو في الصلاة ، المعنى الثاني يترك بعض الصلوات فلا يصليها .
المعنى الثالث : التهاون بها والتغافل عنها : المعنى الثالث : يتهاونون بها ويتغافلون عنها ، فهم لاهون ساهون ، غافلون ، وليست الصلاة من شأنهم ، ساهون يتهاونون . أيها الإخوة ، ورد في بعض الآثار : " لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا إن صلى لم يرجُ خيراً من صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه " . هذه الحالة أخطر من كل الدنيا ، لو أعطيت كل الدنيا ، وكنت كذلك ، إن صليت لا ترجو خيرها ، وإن تركتها لن تندم على تركها ، فلا قيمة لكل هذه الدنيا أمام هذه الحالة الخطيرة المرضية .
حُكــمُ تاركِ الصلاة : الآن حكم تارك الصلاة ، قال ابن القيم : " لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب والكبائر ، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم الكبائر كلها ، من قتل نفس ، وأخذ مال ، ومن إثم الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه ، وخزيه في الدنيا والآخرة . وكان عمر يكتب إلى الآفاق : << إن أهم أموركم عندي الصلاة ، فمن حفظها حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع >> . أنا أقترح عليكم إذا خطب رجلٌ ابنتكم ، وهو لا يصلي أصلاً فلا مصلحة معه أبداً ، لأن الذي يصلي عنده نوع من الخوف ، والصلاة الكاملة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
[ سورة العنكبوت 45] ابن حجر عدّ ترك الصلاة عمداً من الكبائر ، بل من أكبر الكبائر ، الدليل : قال تعالى :
﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾
[ سورة المدثر ] صح عن النبي أن تارك الصلاة كافر ، لكن إذا تركها جحوداً بفرضيتها ، أما إذا تركها تقصيراً يعد عاصياً معصية كبيرة .
الآيات المبينّة لحكم تارك الصلاة والتهاون عنها : أيها الإخوة الكرام ، هذه بعض النقاط النظرية في ترك الصلاة ، الآن إلى الآيات . أي قضية مركزية وأساسية في الدين فيها آياتٌ .
1 – الآية الأولى : يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
[ سورة النساء ] ألا تكفي هذه الآية ؟
2 – الآية الثانية : الآية الأخطر :
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾
[ سورة التوبة ]
3 – الآية الثالثة :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم ]
4 – الآية الرابعة :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾
[ سورة المدثر ]
5 – الآية الخامسة :
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
[ سورة الماعون ] أيها الإخوة الكرام ، الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال ، الشهادة ينطق بها مرة واحدة ، الصيام يسقط عن المريض والمسافر ، والحج يسقط عن المريض والفقير ، والزكاة تسقط عن الفقير ، لم يبق من الدين إلا الصلاة كفرض متكرر ، لا يسقط بحال ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن تركها فقد هدم الدين ، الصلاة عماد الدين ، الآن هذه الآيات فأين الأحاديث ؟
الأحاديثُ المبينّة لحكم تارك الصلاة والتهاون عنها : الموضوع خطير جداً :
الحديث الأول : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال فقال :
(( لا تشركوا بالله شيئاً ، وإن قطعتم ، أو حرقتم ، أو صلبتم ، ولا تتركوا الصلاة متعمدين ، فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة ـ لم يعد مسلماً ـ ولا تركبوا المعصية ، فإنها سخط الله ، ولا تشربوا الخمر ، فإنها رأس الخطايا ))
[ ذكره المنذري في الترغيب والترهيب بسند فيه ضعف ]
الحديث الثاني : عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ))
[ مسلم ]
الحديث الثالث : عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ ))
[ ابن ماجه]
الحديث الرابع :
(( عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة : عليهن أسس الإسلام ، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر ، من أحل دم امرئ مسلم ، وشهادة لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان ))
[ الجامع الصغير عن ابن عباس بسند ضعيف ] عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ))
[ الترمذي ، أحمد ، النسائي ]
انظرْ إلى هذا التناقض العجيب !!! الصلاة لها شأن كبير أيها الإخوة الكرام ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة ، لكن صدقوني ، ولا أبالغ ، أنا لا أتصور أن إلهاً عظيماً خالق السماوات والأرض ، بيده ملكوت كل شيء يعطيك أمراً ينفذ كما يصلي المسلمون اليوم ، ساهون لاهونَ ، لا وجهة ، ولا خشوع ، ولا تدبر آيات ، ولا اهتمام ، ولا تطبيق ، هي مِن عاداته وتقاليده ، أحياناً يكذب ، يحلف يميناً كاذبة ، لكنه يصلي . أنا لا أصدق أن هذا الأمر الذي يؤدى بهذه الطريقة هو كما أراد الله عز وجل ، الصلاة شيء عظيم ، أنت لما تدخل على وزير ، وقد لا تحبه ، دون أن تشعر تنظر في المرآة قليلاً ، وهذا وزير ، فكيف بخالق الأكوان ، كان عليه الصلاة والسلام إذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه .
الحديث الخامس : عن ابن عباس أنه فقَد إحدى عينيه ، قيل له : نداويك ، وتدع الصلاة أياماً ، قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان ))
[ الترغيب والترهيب بسند فيه ضعف ]
الحديث السادس : عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ ))
[ البخاري ]
الحديث السابع : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ ))
[ متفق عليه ] أصعب صلاة على المنافق الفجر والعشاء . هذا النبي عليه الصلاة والسلام .
الحديث الثامن : عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ))
[ مسلم ]
الحديث التاسع : أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ : دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ))
[ مسلم ] صلِ الفجر في جماعة ، والعشاء في جماعة ، فأنت في ذمة الله أربعاً وعشرين ساعة ، في حمايته ، في رعايته ، في حفظه ، في توفيقه ، في نصره .
الحديث العاشر : عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ :
(( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ))
[ مسلم ]
الحديث الحادي عشر : عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيَّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فِيمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))
[ الترمذي ] كان على قلبه الران ، نكتت نكتة سوداء في قلبه .
أهمية الصلاة والخطبة يوم الجمعة : سبحان الله ! صلاة الجمعة ميزتها بماذا ؟ بالخطبة ، لذلك قال المفسرون في قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الُجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ ﴾ قالوا : " ذكر الله هو خطبة الجمعة " . ولما يأتي الإنسان إلى المسجد في وقت مبكر فكأنما قدم إلى الله بدنة ، أيْ جملٌ ثمنه مئة وخمسون ألفاً ، إذا جاء في وقت تالٍ بعد هذا الوقت فكأنما قدم بقرة ، فإذا جاء في الساعة الثالثة فكأنما قدم شاة ، وإذا جاء في الساعة الرابعة فكأنما قدم دجاجة ، وإذا جاء في الساعة الخامسة فكأنما قدم بيضة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))
[ البخاري ومسلم ] مِن جمل إلى بقرة إلى شاة إلى دجاجة إلى بيضة ، فإذا صعد الخطيب المنبر انتهى الأجر . أكثر الناس يقول لك : الحمد لله ، لحقت بآخر ركعة في يوم الجمعة ، هذه الصلاة عادية ، أهم شيء يوم الجمعة الخطبة . أعرف شخصاً سبحان الله ! يحب بائع فول بآخر المدينة في الطرف الآخر ، عنده سيارة وزنها ثلاثة أطنان يحمّيها ربع ساعة ، وينطلق فيها من شمال المهاجرين إلى أقصى مكان في المدينة من أجل كيلو فول ، وإذا أحب أن يصلي الجمعة فيصليها في جامع جانب بيته ، قلت له : لأنّ الفول أغلى عليك من الله ، اختر جامع لك ثقة بخطيبه ، استفِد من خطبته ، تتأثر ، تكتب كلمتين ، يريد جامعًا قريبًا ، ويصلي الصلاة فقط ، لذلك أيها الإخوة الكرام ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾
[ سورة الجمعة 9] ذكر الله الخطبة ، الذي جاء قبل أن يصعد الخطيب المنبر له أجر بيضة ، قبل دجاجة ، قبل شاة ، قبل بقرة ، قبل بدنة ، سبحان الله ! بعض البلاد الإسلامية يأتون إلى الجامع الساعة الحادية عشرة ، قبل بساعة ، يقرؤون القرآن ، وهناك عادات في بعض البلدان رائعة جداً ، يدخل المصلي إلى المسجد قبل ساعة من الأذان تحقيقاً لهذا الحديث .
الحديث الثاني عشر : عن أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ يَقُولُ : رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ، قَالَ السَّائِبُ : يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ ))
[ النسائي ، أحمد ، أبو داود ]
مِن أقوال الصحابة في الصلاة والتابعين : الآن أقوال الصحابة الكرام والتابعين والعلماء العاملين :
1 – قولُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يقول سيدنا عمر : << لا إسلام لمن لا يصلي >> .
2 – قولُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : يقول سيدنا علي : << من ترك صلاة واحدة متعمداً فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه >> .
3 – قولُ التابعي الجليل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ : << كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ >> .
4 – قولُ ابن مسعود رضي الله عنه : جاء رجل من ثقيف فسأل أحد الصحابة الكرام : << أي درجات الإسلام أفضل ؟ قال : الصلاة على وقتها ، من ترك الصلاة فلا دين له >> .
5 – قولُ مصعب بن سعد رضي الله عنه : عن مصعب بن سعد رضي الله عنه قال : قلت لأبي : << يا أبتاه أرأيت قوله تعالى :
﴿ الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ أيّنا لا يسهو ؟ أيّنا لا يحدث نفسه ؟ قال : ليس ذلك ، إنما هو إضاعة الوقت بلهو حتى يضيع الوقت >> . قد تكون في حديث ممتع ، ثم تقول : الآن نصلي ، المغرب قريب ، الحديث امتد حتى أذن العشاء ، جلس ظهرًا ، دخل إلى البيت فأحب أن يأكل ، أول أكل أثقل في الطعام ، شرب كأس شاي ، انطرح ، ودخل في حديث مع الزوجة ، أذن العصر ، وهكذا ،
﴿ الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ سامحوني إذا كنت قاسياً ، لكن أنا ارتأيت أن نقف عند الصفات المذمومة ، وأنا اقتديت بسيدنا حذيفة :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي )) درسنا هذا في الأمراض النفسية ، في الجامعة بكلية التربية كانت الدروس في ثلاثمئة مرض ، والله توهمنا جميعاً أن نِصف الأمراض نحن واقعون فيها .
6 – قول سادس : قال رجل لصحابي : << عظني في نفسي رحمك الله ؟ قال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، فإنه لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا إيمان لمن لا صلاة له ، ثم إذا صليت فصلِّ صلاة مودع >> . شهد الله أيها الإخوة ، لو أنك أدركت أن الوقت ليس بيدك ، وأن في أيّ لحظة يغادر الإنسان الدنيا فإنه صلي صلاة مودع ، واترك طلب كثير من الحاجات ، فإنه فقر حاضر ، وأجمع اليأس مما عند الناس ، فإنه هو الغنى ، وانظر إلى ما تعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه ، أي شيء تضطر أن تعتذر منه لا تفعله ، أي طمع بما عند الناس فقر حاضر ، والطمع بما عند الله غنى حقيقي .
7 – قولُ جابر بن عبد الله رضي الله عنه : عن رحل قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم : << ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله ؟ فقال : الصلاة >> . هي الحاسمة الآن إنسان لا يصلي ، أحياناً يدخل إلى بيت ، الأب يتكلم عنه أنه لبق ، لطيف ، فهيم ، حضاري ، وهو لا يصلي ، إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ، إنسان مقطوع عن الله لا ترجو الخير منه . نبئت أنا أبا بكر وعمر كان يعلمان الناس الإسلام ، تعبد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة التي افترض الله تعالى بمواقيتها ، فإن في تفريقها الهلكة . الآية الكريمة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُم أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
[ سورة المنافقون9 ] قال العلماء : ذكر الله الصلوات الخمس .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
[ سورة المنافقون9 ]
8 – قولُ الإمام أحمد رحمه الله : الإمام أحمد له قول رائع : " كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه ، فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه " .
تركُ الصلاة يجلب الشر والهلاك وإقامتها تجلب الخير والرزق : أيها الإخوة الكرام ، أدرك أهل العلم أن النبي عليه الصلاة والسلام من خلال أحاديث كثيرة مفادها أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها فهو كافر . أيها الإخوة الكرام ، ترك الصلاة استحقاق لسخط الله وغضبه ، والتقصير في الصلاة حلول النقم وذهاب النعم . دقق :
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾
[ سورة طه : 132 ] التتمة :
﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾
[ سورة طه : 132 ] معنى ذلك أن البيت الذي فيه صلاة بيت مرزوق ، محل تجاري في صلاة مرزوق ، ترك الصلاة دليل على قلة التوفيق وسوء العاقبة ، ترك الصلاة البعد عن الله والبغض من الناس ، ترك الصلاة يورث الهوان والذل في الدنيا والآخرة ، ترك الصلاة يحشر صاحبها مع هامان وقارون وفرعون وأبي بن خلف ، ترك الصلاة يحرم صاحبها نعمة لقاء الله ، ويسمى مضيعاً للأمانة ، ترك الصلاة يحرم من أهم مصدر لتكفير السيئات وزيادة الحسنات . إن شاء الله نعاهد الله في هذا اللقاء الطيب على أن نؤدي الصلوات في أوقاتها ، والفجر في المسجد ، والعشاء في المسجد حتى تكون في حفظ الله أربعاً وعشرين ساعة . والحمد لله رب العالمين
[/size] |