| الكوميديا السورية تغرد خارج السرب |

ننتظر
كل يوم لنرى جديد الدراما الكوميدية السورية لهذا العام، وبين مشهد من هنا
وآخر من هناك ينتهي المطاف بنا إلى الضياع وعدم معرفة مغزى هذه اللوحة أو
ذاك المشهد ومدى محاكاتها لهموم الشارع السوري. فكما هو معروف تأتي
الكوميديا لتحاكي الواقع بطريقة ساخرة، قد ينجم عنها حلول للمشكلات التي
نعايشها أو ينتهي المطاف بها إلى التنبيه إلى حجم المشكلة المطروحة. ‏
ومن كل هذا أين الكوميديا السورية الحالية!
ولو تناولنا بعضها لنجد إنها بالفعل بعيدة عن محاكاة الواقع. وعلى سبيل
المثال مسلسل «بقعة ضوء» حيث مر على ظهوره فترة لا بأس بها من دون أن يقدم
جديداً، على غرار ما كان يقوم به بالسابق. إذ إن التكرار يبدو واضحاً في
العديد من اللوحات، إضافة إلى طول المشهد الذي لا يقدم نهاية مقبولة لما
بدأ به. الأمر الذي يجعل المتلقي في حيرة من أمره فتارة يتخبط في مضمون
اللوحة، وتارة أخرى ينتهي المشهد ليكتشف إنه عبارة عن صف كلام وتصنَع واضح
وملموس بهدف رسم الضحكة على وجوه المشاهدين. ربما الاهتمام بفكرة خلق جو
للضحك من المشهد هي السبب في التراجع الملحوظ في الدراما الكوميدية، فما
معنى مشهد ضاحك من دون مضمون يؤدي إلى نتيجة بحد ذاتها. فمعظم المشاهدين
قادرين على افتعال أشياء تضحكهم من دون انتظار الكوميديا لتفعل ذلك، لكن
يعول عليها لكونها تنتقد الواقع والظواهر الجديدة بطريقة ساخرة. ومع ذلك
«بقعة ضوء» لم يفعل ذلك بعد وما قام به هو الإفراط في الموسيقا والأغاني
التي حفظها المشاهد عن ظهر قلب. ‏
ولو تناولنا عملاً آخر غير «بقعة ضوء» لوصلنا لنتيجة واحدة وهي المبالغة
في صف الكلام من دون تقديم جديد. وعلى سبيل المثال مسلسل «أبو جانتي»
للنجم المتألق «سامر المصري»، نجد إنه لم يقدم جديداً. إذ إن المتفرج لم
يتمكن بعد من معرفة هوية المسلسل فيما إذا هو كوميدي ساخر أم عمل يدور حول
شخصية رئيسية «أبو جانتي» فصلت وفقاً لمقاييس معينة تناسب الشخصية أكثر من
الواقع المحيط. فما الجديد في عمل سائق التكسي! فهو في طبيعة الحال يضطر
لافتعال الحديث مع ركابه ولكن هل بالفعل هناك «شوفير» يساعد النساء
المظلومات ويضرب مئات المسافات لتصحيح وجهة نظر لزوج يغار على زوجته، كما
حدث مع «أبو سلمى» الذي اتهم زوجته بعلاقة مع «أبو جانتي» التي بالصدفة
سمعت صوته. إذا عدنا من حيث بدأنا فمواقف الضحك لا يخطط لها بل تأتي من عمق
في الأداء والمضمون مع توافر عناصر مناسبة لها. ‏
ولا يختلف الأمر كثيراً لدى مسلسل «صبايا» الذي يعتبر كوميديا ودراما
اجتماعية وأحياناً عملاً له طبيعته الخاصة. فرغم النضج التمثيلي لدى
الفنانين في هذا الجزء، إلا إنه يبتعد عن الواقع في بعض حلقاته. إذ إن
التصنع يبدو واضحاً في الحركات المفتعلة والأحاديث المفبركة، الأمر الذي
يجعلنا نتساءل ما الجديد في مسلسل «صبايا»؟ فمثلاً في إحدى الحلقات تقوم
الفنانة «دادو» بممارسة الرياضة في أحد شوارع دمشق وتقوم بحركات للأعلى
والأسفل، وكأنها تمارس الرياضة في ناد خاص بعيداً عن أعين المارة. هذا
المشهد لم يأتي بجديد أو ما الذي يطرحه؟ إذاً هل قدرة الفنان على إدارة
الحوار بذكاء وحدها كافية لنجاح العمل! وماذا عن العناصر الدرامية الأخرى
التي تعتبر أساسية كالنص والحبكة وغيرهما، إذ إنه في العديد من المرات
تنتهي الحلقة بموقف ينم عن انفلات الحبكة الدرامية وعدم سيطرتها على مجرى
الأحداث. ‏
هناك شيء لم يدركه المشرفون على الكوميديا وهو إنها ليست فقط مخصصة
للوصول إلى نتيجة ضاحكة فقط، وإنما معالجة القضايا بطريقة مضحكة تنم عنها
سخرية لما يجري، لكي تخرج بالنهاية حبكة درامية مفيدة وذات تأثير على المدى
البعيد، كما حدث مع أجزاء «بقعة ضوء» السابقة ومع «مرايا» أيضاً. ولكن على
ما يبدو إن الطلب يفرض نفسه على السوق بغض النظر عن مراعاة الجوانب
الأساسية في نجاح العمل الكوميدي، ما يعني أننا حالياً أمام كوميديا تغرد
خارج السرب. ولكن هناك بوادر لإنقاذها من براثن الضياع من خلال التنبه إلى
الأخطاء التي وقعت بها هذا العام.

<P><FONT style="BACKGROUND-COLOR: #fadcfa">يسلمو اكيد استفدنا من المعلومات</FONT></P>