نظرة عن شعر الزهد :</SPAN></STRONG>
أول ما ظهر و إشتهر شعر الزهد كان في العصر العباسي الأول ، و شعر الزهد في الأصل جاء ردا على تيار اللهو و المجون ، و العيش الترف ، و إنتشار الخمر و مجالس الغناء . فقامت طائفة من الشعراء على رأسهم أبوالعتاهية بالتصدي لهذه التيارات بإستعمال غرض جديد هو الزهد ، فكانت قصائدهم داعية إلى التوبة و الرجوع إلى الله ، و نبذ هذه الظواهر . </SPAN></STRONG>
أهمية توظيف فكرة الزهد في الأغراض الشعرية:</SPAN></STRONG>
من هذا المنطلق يمكن توظيف الدعوة إلى الزهد إيجابيا في خدمة المجتمع المسلم، والنهوض به، وذلك بطرح قضايا فعالة في نهضة الأمة، مثل تقديم مصلحة الأمة على المصلحة الشخصية، وإيثار الآخرة على الدنيا، والعمل الدؤوب في خدمة الدعوة والرفع من شأنها، والصبر وتحمل المشاق في سبيل هداية التائهين، وتقديم المساعدة للناس في أوقات الشدائد، ونحو ذلك، فالزهد السليم هو عمل إيجابي لتربية المجتمع الصالح، وليس انسلاخا عن الواقع وهروبا من مواجهته كما شاع عند الناس.</SPAN></STRONG>
نماذج شعرية لغرض الزهد:</SPAN></STRONG>
ونجد مثل هذه المعاني التي أشرنا إليها آنفا كثيرة عند الشعراء قديما، وفي كتب التراجم والسير فيض من هذا الغرض الشعري، وأكثر ما نجد هذا اللون الشعري لدى العباد والزهاد والعلماء، بينما هو قليل ضامر لدى مشاهير الشعراء الذين شغلتهم الأغراض الأخرى للشعر عن هذا الغرض، والمتقدم في هذا الغرض من أعلام الشعراء بلا منازع هو أبو العتاهية، فقد استحوذ الزهد على معظم شعره، ومما ورد عنه في هذا الباب: " قال ثـمامة بن أشرس: أنشدني أبو العتاهية:</SPAN></STRONG>إذا المرء لم يعتق من المـال نفسه تملكه المال الذي هو مالكـه</SPAN></STRONG>
ألا إن مالي الذي أنا منفق وليس لي المال الذي أنا تاركه</SPAN></STRONG>
إذا كنت ذا مـال فبادر به الذي يحق وإلا استـهلكته مهالكه</SPAN></STRONG>
فقلت له: من أين قضيت بهذا ؟. قال: من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو ما لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت "</STRONG></SPAN>
وقد دأب الشعراء على التأكيد على دعوة الزهد في الدنيا، وعدم التكالب عليها، لأن العمر سريع، ولا يلبث أن يمضي المرء ويترك الدنيا وراءه، وفي هذا الصدد يقول ابن عبد ربه الأندلسي:</STRONG></SPAN>ألا إنما الـــدنيا غضارة أيكة إذا اخضر منها جانـب جف جانب</SPAN></STRONG>
هي الدار ما الآمــال إلا فجائع عليها ولا اللـذات إلا مصــائب</SPAN></STRONG>
فلا تكتحل عيناك فيهــا بعبرة على ذاهب منها فإنـك ذاهــب</SPAN></STRONG>
فالدنيا متقلبة الأحوال، متغيرة الألوان، سريعة الانقلاب، مليئة بالمآسي، ولا ينبغي لذي عينين أن تنظر عيناه إلى جانبها المخضر الزاهي دون أن تنظرا إلى جانبها المصفر الذابل في الوقت ذاته. </SPAN>وفي المعنى ذاته يقول ابن نباتة السعدي: </SPAN></STRONG>وأقسم ما الدنيا بدار إقامة وما هي إلا مثل بعض المنازل</SPAN></STRONG>
فالدنيا ليست سوى منزل ـ أي محطة ـ يستريح بها المسافر، ثم لا يلبث أن يتركها مغادرا في رحلة سفره الطويلة نحو الآخرة، بل ربما كانت أقل من ذلك، فهي ظل سريع الزوال، وفي هذا المعنى يقول الطغرائي أيضا : </STRONG></SPAN>ترجو البقاء بدار لا ثبات لها فهل سمعت بظل غير منتقل</SPAN></STRONG>
وما دامت الخاتمة معروفة لكل حي، والموت هو النهاية الحتمية لكل مخلوق، فلا مبرر للتعالي والتفاخر والغرور، يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي:</STRONG></SPAN>كن كيف شئت فقصرك المـو ت لا مـرحل عنه ولا فوت</SPAN></STRONG>
بينا غنى بيـت وبـهـجتـه زال الغنى وتقوض البيــت</SPAN></STRONG>
وما زال الموت هو النهاية الأكيدة، فيجب الاعتبار قبل الرحيل، وقبل أن تطوى صفحة العمر، وهو ما يؤكد عليه مالك بن دينار في تصوير حسي ملفت للإنتباه، موقظ للمشاعر، يقول : </STRONG></SPAN>
أتيت القبور فنـاديـتهن أين المعظـم والمحتقــر</SPAN></STRONG>
وأين المذل بســـلطانه وأين المزكى إذا مـا افتخر</SPAN></STRONG>
تفانوا جميعا فمـــا مخبر وماتوا جميعا ومـات الخبر</SPAN></STRONG>
تروح وتغدو بنات الثـرى وتمحى محاسن تلك الصور</SPAN></STRONG>
فيا سائلي عن أناس مضـوا أما لك فيما ترى معتــبر</SPAN></STRONG>
وليس الموت هو المحطة الأخيرة لرحلة الإنسان كما يظن الملحدون والدهريون والماديون، فهنالك الوعد والحساب بعد ذلك، وفي هذا يقول عدي بن زيد:</STRONG></SPAN>أين أهل الديـار من قوم نوح ثم عـــاد من بعدها وثمود</SPAN></STRONG>
بينما هم على الأسرة والأنمـا ط أفـضت إلى التراب الخدود</SPAN></STRONG>
وصحيح أمسـى يعود مريضا وهـو أدنى للموت فيمن يعود</SPAN></STRONG>
ثم لم ينقــض الحديث ولكن بعد هذا كــله وذاك الوعيد</SPAN></STRONG>
ومادام هنالك بعث وحساب، فنحن بحاجة إلى العمل الصالح والتزود بالتقوى، وأن نسلك السلوك الإسلامي الصحيح في هذه الحياة، وفي هذا الصدد يقول ابن عبد ربه الأندلسي ناصحا بالتوبة والاستعداد ليوم الرحيل : </STRONG></SPAN>بادر إلى التوبة الخلصــاء مجتهدا والموت ويحك لم يمدد إليـك يدا</SPAN></STRONG>
وارقـب من الله وعدا ليس مخلفه لا بـد والله من إنجاز ما وعـدا</SPAN></STRONG>
وقد نظر الشاعر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لتكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب)، فاقتبس منه التشبيه الجميل المعبر وضمنه في شعره.</SPAN></STRONG>
ولكن اتخاذ الأسباب والاعتماد على العمل لا يكفي وحده، بل لا بد من رجاء عفو الله بعد هذا كله، لأن الإنسان مهما عمل فهو مقصر بحق الله إلا أن يتغمده الله برحمته، وفي هذا يقول محمد ابن يسير:</STRONG></SPAN>ويل لمن لم يرحـــم الله ومن تكــون النار مثواه</SPAN></STRONG>
واغفلتاه من كل يوم مضى يذكرني المــوت وأنساه</SPAN></STRONG>
من طال في الدنيا به عمره وعاش فالمــوت قصاراه</SPAN></STRONG>
كأنه قد قــيل في مجلس قد كنت آتيــه وأغشاه</SPAN></STRONG>
محمد صـــار إلى ربه يرحمنــا الله وإيــاه</SPAN></STRONG>
وتنعكس هذه المعرفة والتصورات لحقيقة الدنيا عند الإنسان المسلم إلى سلوك إيجابي، يجعله يثور على الفقر، ويرفض السؤال للآخرين، وينـشط للعمل بدلا من مذلة الاستكانة والاستسلام، ويسارع إلى تقوى ربه، ويكون راضي النفس في هذه الحياة، متوازنا بين عقله وقلبه، لا تقتله الدنيا بهمومها وآلامها، </SPAN>وفي ذلك يقول بشر الحافي رحمه الله:</SPAN></STRONG>أقـسمت بالله لرضخ النـوى وشرب ماء الأعـين المالحـة</SPAN></STRONG>أعز للإنسـان من فقـــره ومن سؤال الأوجـه الكالحة</SPAN></STRONG>فاستشعر اليأس تكــن ذا غنى وترجعن بالصفقـة الرابحـة</SPAN></STRONG>من كانت الدنيا به بــــرة فإنها يوما لـــه ذابـحة</SPAN></STRONG></SPAN> [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]</STRONG>
و ديوان كبير شعراء الزهد الشاعر أبو العتاهية </STRONG>
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] </STRONG>
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تقبلوا خالص تحياتي </STRONG>
شهاب عن نادي جواهر الشعر .